من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٩
من سورة إبراهيم 
﴿أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحࣲ وَعَادࣲ وَثَمُودَ وَٱلَّذِینَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا یَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤا۟ أَیۡدِیَهُمۡ فِیۤ أَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَقَالُوۤا۟ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِی شَكࣲّ مِّمَّا تَدۡعُونَنَاۤ إِلَیۡهِ مُرِیبࣲ﴾ [إبراهيم ٩]

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا مِنْ تَمَامِ قِيلِ(١) موسى لقومه(٢) .يعني: وتذكاره إِيَّاهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، بِانْتِقَامِهِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ.وَفِيمَا قَالَ(٣) ابْنُ جَرِيرٍ نَظَرٌ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأمة، فإنه قد قيل: إِنَّ قِصَّةَ عَادٍ وَثَمُودَ لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ وقَصَه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ(٤) أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْقِصَّتَانِ فِي "التَّوْرَاةِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، مِمَّا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ(٥) إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، أَيْ: بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْقَاطِعَاتِ.وَقَالَ ابْنُ(٦) إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ﴾ كَذَبَ النَّسَّابُونَ.وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَعْدَ مَعَدِ بْنِ عَدْنَانَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ يَأْمُرُونَهُمْ(٧) بِالسُّكُوتِ عَنْهُمْ، لَمَّا دَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.وَقِيلَ: بَلْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ تَكْذِيبًا لَهُمْ.وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سُكُوتِهِمْ عَنْ جَوَابِ الرُّسُلِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَتَوْجِيهُهُ(٨) أَنَّ "فِي" ها هنا بِمَعْنَى "الْبَاءِ"، قَالَ: وَقَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: "أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ" يَعْنُونَ: فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:وَأَرْغَبُ فِيهَا عَن لَقيطٍ ورهْطه ... عَن سِنْبس لَسْتُ أرْغَب ...يُرِيدُ: أَرْغَبُ بِهَا(٩) .قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِتَمَامِ الْكَلَامِ: ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ فَكَأَنَّ هَذَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ](١٠) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى رَدِّ أَيْدِيهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ.وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا.وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَبِي هُبَيرَْة ابْنِ مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدِ اخْتَارَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مُخْتَارًا لَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٩] .وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا سُمِعُوا كِتَابَ(١١) اللَّهِ عَجبوا، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم.وَقَالُوا: ﴿إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ يَقُولُونَ: لَا نُصَدِّقُكُمْ فِيمَا جِئْتُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ عِنْدَنَا فِيهِ شَكًّا قَوِيًّا.

(١) في أ: "قول".
(٢) تفسير الطبري (١٦/٥٢٩) .
(٣) في ت، أ: "قاله".
(٤) في ت، أ: "لأوشك".
(٥) في ت، أ: "عدده".
(٦) في ت: "أبو".
(٧) في ت: "يأمروهم".
(٨) في ت: "ويوجهه"
(٩) تفسير الطبري (١٦/٥٣٤) .
(١٠) زيادة من ت، أ.
(١١) في ت: "كلام".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كباشات شلتوت للعزم الميكانيكى

http://www.imadislam.com/tafsir/002_03.htm