من سورة التحريم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١_٥ من 
سورة التحريم 
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰ⁠جِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ (١) قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَیۡمَـٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ (٢) وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِیُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَ ٰ⁠جِهِۦ حَدِیثࣰا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضࣲۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَـٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِیَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡخَبِیرُ (٣) إِن تَتُوبَاۤ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَـٰهَرَا عَلَیۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِیلُ وَصَـٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ ظَهِیرٌ (٤) عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَ ٰ⁠جًا خَیۡرࣰا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَـٰتࣲ مُّؤۡمِنَـٰتࣲ قَـٰنِتَـٰتࣲ تَـٰۤىِٕبَـٰتٍ عَـٰبِدَ ٰ⁠تࣲ سَـٰۤىِٕحَـٰتࣲ ثَیِّبَـٰتࣲ وَأَبۡكَارࣰا (٥)﴾ [التحريم ١-٥]

تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّحْرِيمِوَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *اختلُف فِي سَبَبِ نُزُولِ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مَارِيَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ حَرَّمَهَا، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ الْآيَةَ.قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمها، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ(١) .وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ(٢) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَصَابَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟! فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ حَرَامًا فَقَالَتْ: أيْ رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَحْرُم عَلَيْكَ الْحَلَالُ؟ فَحَلَفَ لَهَا بِاللَّهِ لَا يُصِيبُهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ قَالَ زَيْدُ: بْنُ أَسْلَمَ فَقَوْلُهُ: أَنْتِ عليَّ حَرَامٌ لَغْوٌ(٣) .وَهَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: قُلْ لَهَا: "أَنْتِ عليَّ حَرَامٌ، وواللَّهِ لَا أطؤك".وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُلَيَّة، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَحَرَّمَ، فعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، نَفْسِهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. وَكَانَ بَدْءُ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِ أَمِّ إِبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيَّةِ، أَصَابَهَا النَّبِيِّ ﷺ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فِي نَوْبَتِهَا(٤) فَوَجَدت حَفْصَةُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ جِئْتَ إليَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ، فِي يَوْمِي، وَفِي دَوْرِي، وَعَلَى فِرَاشِي. قَالَ: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا؟ ". قَالَتْ: بَلَى. فحَرَّمها وَقَالَ: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ". فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ الْآيَاتِ(٥) فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كفَّر [عَنْ](٦) يَمِينِهِ، وَأَصَابَ جَارِيَتَهُ(٧) .وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيب فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلابة عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِحَفْصَةَ: "لَا تُخْبِرِي أَحَدًا، وَإِنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عليَّ حَرَامٌ". فَقَالَتْ: أَتُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ؟ قَالَ: "فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا". قَالَ: فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ. قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ(٨) .وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْضًا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائي قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ تُكَفِّرُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الْأَحْزَابِ: ٢١] يَعْنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ فَكَفَّرَ يَمِينَهُ، فَصَيَّرَ الْحَرَامَ يَمِينًا(٩) .وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ هِشَامٍ -هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ-عَنْ يَحْيَى -هُوَ ابْنُ كَثِيرٍ-عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ -وَهُوَ يَعْلَى-عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَرَامِ: يمين تُكَفر. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الْأَحْزَابِ: ٢١](١٠) .وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائي بِهِ(١١) .وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مَخْلد -هُوَ ابْنُ يَزِيدَ-حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي جَعَلْتُ امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَاما؟ قَالَ: كذبتَ لَيْسَ عَلَيْكَ بِحَرَامٍ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ، عِتْقُ رَقَبَةٍ.تَفَرَّدَ بِهِ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بِهَذَا اللَّفْظِ(١٢) .وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زكَريا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُرَيَّته(١٣) .ومن هاهنا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ مَلْبَسًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا عَدَا الزَّوْجَةَ وَالْجَارِيَةَ، إِذَا حَرَّم عَيْنَيْهِمَا أَوْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ فِيهِمَا فِي قَوْلِهِ، فَأَمَّا إِنْ نَوَى بِالتَّحْرِيمِ طَلَاقَ الزَّوْجَةِ أَوْ عِتْقَ الْأَمَةِ، نَفَذَ فِيهِمَا.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ(١٤) أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ العَدَني، أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ.وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي تَحْرِيمِهِ العَسَل، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ:حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ(١٥) بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحش، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فتواطأتُ أَنَا وحفصةُ عَلَى: أيتُنا دخلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ لَهُ: أكلتَ مَغَافير؟ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. قَالَ: "لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحش، فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا"، ﴿تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾(١٦) .هَكَذَا أورد هذا الحديث هاهنا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ "الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ": حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيد بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سمعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحش وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلا فتواصيتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أيتُنا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ؛ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحش، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ". فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ إِلَى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ لِقَوْلِهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا". وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ: "وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، فَلَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا"(١٧) .وَهَكَذَا رَوَاهُ فِي كِتَابِ "الطَّلَاقِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ(١٨) . ثُمَّ قَالَ: الْمَغَافِيرُ: شَبِيهٌ بِالصَّمْغِ، يَكُونُ فِي الرَّمَثِ فِيهِ حَلَاوَةٌ، أَغْفَرَ الرَّمَثُ: إِذَا ظَهَرَ فِيهِ. وَاحِدُهَا مَغْفُورٌ، وَيُقَالُ: مَغَافِيرُ. وَهَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْمَغْفُورُ أَيْضًا للعُشر والثُّمام والسَّلَم وَالطَّلْحِ. قَالَ: والرِّمْثُ، بِالْكَسْرِ: مَرْعَى مِنْ مَرَاعِي الْإِبِلِ، وَهُوَ مِنَ الحَمْض. قَالَ: وَالْعُرْفُطُ: شَجَرٌ مِنَ الْعِضَاهِ ينضَح المغفُور [مِنْهُ](١٩) .وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ "الطَّلَاقِ" مِنْ صَحِيحِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٍ، عَنْ عُبيد بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ،(٢٠) بِهِ، وَلَفْظُهُ كَمَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ".ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ "الطَّلَاقِ": حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهَر، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الحَلوى والعَسل، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ. فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّة عَسَل، فَسَقَتِ النَّبِيَّ ﷺ مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لنحتالَن لَهُ. فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي: أَكَلْتَ مغَافير؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ ذَلِكَ(٢١) لَا. فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ. فَقُولِي: جَرَسَتْ نحلُه العُرفُطَ. وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقَوْلِي أَنْتِ لَهُ يَا صَفِيَّةُ ذَلِكَ، قَالَتْ -تَقُولُ سَوْدَةُ-: وَاللَّهِ(٢٢) مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لَا ". قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَربة عَسَلٍ". قَالَتْ: جَرَسَت نَحلُه العرفطَ. فَلَمَّا دَارَ إليَّ قُلْتُ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَسْقِيَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لَا حاجةَ لِي فِيهِ". قَالَتْ -تَقُولُ سَوْدَةُ-: والله لقد حَرَمْنَاه. قلت لها: اسكتي(٢٣) .هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيد بْنِ سَعيد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِر، بِهِ. وَعَنْ أَبِي كُرَيْب وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ بْنِ بِشْرٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهِ(٢٤) وَعِنْدَهُ قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ يَعْنِي: الرِّيحَ الْخَبِيثَةَ؛ وَلِهَذَا قُلْنَ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ لِأَنَّ رِيحَهَا فِيهِ شَيْءٌ. فَلَمَّا قَالَ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا ". قُلْنَ: جَرَسَت نحلُه العرفطَ، أَيْ: رَعَت نحلُه شَجَر الْعُرْفُطَ الَّذِي صَمغُه الْمَغَافِيرُ؛ فَلِهَذَا ظَهَرَ ريحُه فِي الْعَسَلِ الَّذِي شَرِبْتَهُ.قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَرَسَت نحلُه الْعُرْفُطَ تَجْرِس: إِذَا أَكَلَتْهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّحْلِ: جَوَارِسُ، قَالَ الشَّاعِرُ:تَظَلّ عَلَى الثَّمْرَاء مِنها جَوَارسُ ...وَقَالَ: الجَرْس والجِرْس: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. وَيُقَالُ: سَمِعْتُ جَرْسَ الطَّيْرِ: إِذَا سمعتَ صَوْتَ مَنَاقِيرِهَا عَلَى شَيْءٍ تَأْكُلُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: "فَيَسْمَعُونَ جَرْس طَيْرِ الْجَنَّةِ". قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ شُعبة قَالَ: "فَيَسْمَعُونَ جَرْشَ طَيْرِ الْجَنَّةِ" بِالشِّينِ [الْمُعْجَمَةِ](٢٥) فَقُلْتُ: "جَرْسَ"؟! فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: خُذُوهَا عَنْهُ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَّا(٢٦) .وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ فِيهِ أَنَّ حَفْصَةَ هِيَ السَّاقِيَةُ لِلْعَسَلِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَفِي طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ عَائِشَةَ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحش هِيَ الَّتِي سَقَتِ الْعَسَلَ، وَأَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ تَوَاطَأَتَا وَتَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ كونَهما سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، هُمَا الْمُتَظَاهِرَتَانِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عدَل عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ. فَتَبَرَّزَ ثُمَّ أَتَانِي، فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ -قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَرِهَ-وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ قَالَ: هِيَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ. قَالَ: كُنَّا مَعشَر قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغلبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغلِبُهم نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِي فِي دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بالعَوَالي. قَالَ: فغضَبت يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعني، فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أزواج النبي(٢٧) ﷺ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: أَتُرَاجِعِينَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتِ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وخَسر، أفتأمنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ، فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ؟ لَا تُرَاجِعِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا، وَسَلِينِي مِنْ مَالِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ إِنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أوسمُ وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْكِ -يُرِيدُ عَائِشَةَ-قَالَ: وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ غَسَّان تُنعِل الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمًا ثُمَّ أَتَى عِشَاءً، فَضَرَبَ بَابِي ثُمَّ نَادَانِي، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ! فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَطْوَلُ! طلَّق رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِسَاءَهُ، فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حفصةُ وخَسِرت، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ(٢٨) هَذَا كَائِنًا. حَتَّى إِذَا صليتُ الصُّبْحَ شددتُ عليَّ ثِيَابِي ثُمَّ نَزَلْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: لَا أَدْرِي، هُوَ هَذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ المشرَبة(٢٩) فَأَتَيْتُ غُلَامًا لَهُ أسودَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ الْغُلَامُ ثُمَّ خَرَجَ إليَ فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا عِنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لعمرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَخَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فصمتَ. فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ: ادْخُلْ، قَدْ أَذِنَ لَكَ. فدخلتُ فسلمتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رُمَال(٣٠) حَصِير.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَاهُ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: رُمَال حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: أطلَّقت يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: "لَا". فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَغَضِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ، أفتأمنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ، فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدخَلت عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لَا يغُرنَّك أَنْ كَانَتْ جارتُكِ هِيَ أوسمُ -أَوْ: أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْكِ. فَتَبَسَّمَ أُخْرَى، فَقُلْتُ: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "نَعَمْ". فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا أهَبَةٌ ثَلَاثَةً(٣١) فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وسَّع عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ. فَاسْتَوَى جالسًا وقال: "أفي شك أنت يا بن الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا؛ مِنْ شِدَّةِ مُوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ الله، عز وجل(٣٢) .وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ(٣٣) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عُبَيد بْنِ حُنَين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأرَاك لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ اللَّتَانِ(٣٤) تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ؟(٣٥) .هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ: مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ ؟ قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ.وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ سِماك بْنِ الْوَلِيدِ -أَبِي زُمَيْلٍ-حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ نِسَاءَهُ، دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ يَنكُتُون بِالْحَصَى، وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِسَاءَهُ! وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤمَر بِالْحِجَابِ. فَقُلْتُ: لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي دُخُولِهِ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَوَعْظِهِ إِيَّاهُمَا، إِلَى أَنْ قَالَ: فَدَخَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى أسكُفَّة المشرَبة، فَنَادَيْتُ فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَشُقّ عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وجبريلَ وَمِيكَائِيلَ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، وَقَلَّمَا تكلمتُ -وَأَحْمَدُ اللَّهَ-بِكَلَامٍ إِلَّا رجوتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، آيَةُ التَّخْيِيرِ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ فَقُلْتُ: أَطَلَّقَتْهُنَّ؟ قَالَ: "لَا". فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ٨٣] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ(٣٦) .وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -زَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَعُثْمَانُ. وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [فِي](٣٧) قَوْلِهِ: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَهُوَ مُنْكَرٌ جَدًا.وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيم، عَنْ حُميد، عن أنس، قال: قال عُمَرُ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ(٣٨) .وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَافَقَ الْقُرْآنَ فِي أماكنَ، مِنْهَا فِي نُزُولِ الْحِجَابِ، وَمِنْهَا فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٢٥] .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا [أَبِي، حَدَّثَنَا](٣٩) الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيد، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: بَلَغَنِي شَيْءٌ كَانَ بَيْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ، فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ(٤٠) أَقُولُ: لَتَكُفُّنَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ ليبدلَنّه اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ، أَمَا لِي بِرَسُولِ اللَّهِ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ، حَتَّى تَعِظَهُنَّ؟! فَأَمْسَكْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَدّته عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ وَعظ النِّسَاءِ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ(٤١) .وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ قَالَ: دخلَت حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي بَيْتِهَا وَهُوَ يَطَأ مَارِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرَكِ بِبِشَارَةٍ، فَإِنَّ أَبَاكِ يَلي الأمرَ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مِتُّ". فَذَهَبَتْ حَفْصَةُ فأخبَرتْ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مِنْ أَنْبَأَكَ هَذَا؟ قَالَ: ﴿نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ حَتَّى تُحَرِّمَ مَارِيَةَ فَحَرَّمَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾(٤٢) .إِسْنَادُهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ﴾ ظَاهِرٌ.
* * *وَقَوْلُهُ ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أَيْ: صَائِمَاتٍ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، والسُدّيّ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَقَدَّمَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ مِنْ سُورَةِ "بَرَاءَةٌ"، وَلَفْظُهُ: "سياحةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصيامُ".وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أَيْ: مُهَاجِرَاتٍ، وَتَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ [التَّوْبَةِ: ١١٢] أَيْ: الْمُهَاجِرُونَ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ أَيْ: مِنْهُنَّ ثَيِّبَاتٍ، وَمِنْهُنَّ أَبْكَارًا، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشْهَى إِلَى النُّفُوسِ، فَإِنَّ التَّنَوُّعَ يبسُط النفسَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ، عَنْ صَالِحُ بْنُ حَيَّان، عَنِ ابْنِ بُرَيدة، عَنْ أَبِيهِ: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُزَوِّجَهُ، فَالثَّيِّبُ: آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَبِالْأَبْكَارِ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ(٤٣) .وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ" مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ(٤٤) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَوْتِ خَدِيجَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُهَا السَّلَامَ، وَيُبَشِّرُهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَب، بَعِيدٍ مِنَ اللَّهَبِ(٤٥) لَا نَصَب فِيهِ وَلَا صَخَب، مِنْ لُؤْلُؤَةٍ جَوْفَاءَ بَيْنَ بَيْتِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَبَيْتِ آسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمٍ(٤٦) .وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، وَهِيَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ: "يَا خَدِيجَةُ، إِذَا لَقِيتِ ضَرَائِرَكِ فَأَقْرِئِيهِنَّ مِنِّي السَّلَامَ". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ تَزَوَّجْتَ قَبْلِي؟ قَالَ: "لَا"، وَلَكِنَّ اللَّهَ زَوَّجَنِي مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، وَكُلْثُمَ أُخْتَ مُوسَى". ضَعِيفٌ أَيْضًا(٤٧) .وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ النُّورِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ(٤٨) بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُعْلِمتُ أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَنِي فِي الْجَنَّةِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَكُلْثُمَ أُخْتَ مُوسَى، وَآسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ". فَقُلْتُ: هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ(٤٩) .وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ.

(١) سنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٠٧) .
(٢) في أ: "الرقي".
(٣) تفسير الطبري (٢٨/١٠٠) .
(٤) في أ: "في يومها".
(٥) في م، أ: "الآيات كلها".
(٦) زيادة من أ.
(٧) تفسير الطبري (٢٨/١٠٢) وأصله في الصحيح وسيأتي.
(٨) المختارة للضياء المقدسي برقم (١٨٩) .
(٩) تفسير الطبري (٢٨/١٠١) .
(١٠) صحيح البخاري برقم (٤٩١١) .
(١١) صحيح مسلم برقم (١٤٧٣) .
(١٢) سنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٠٩) .
(١٣) المعجم الكبير (١١/٨٦) .
(١٤) في م: "الطبراني".
(١٥) في أ: "عن عبد".
(١٦) صحيح البخاري برقم (٤٩١٢) .
(١٧) صحيح البخاري برقم (٦٦٩١) .
(١٨) صحيح البخاري برقم (٥٢٦٧) .
(١٩) زيادة من الصحاح، مادة "عرفط" ٣/١١٤٢.
(٢٠) صحيح مسلم برقم (١٤٧٤) .
(٢١) في م: "سيقول لك".
(٢٢) في م: "فوالله".
(٢٣) صحيح البخاري برقم (٥٢٦٨) .
(٢٤) صحيح مسلم برقم (١٤٧٤) .
(٢٥) زيادة من م.
(٢٦) انظر: الصحاح للجوهري ٢/٩٠٨ ولسان العرب لابن منظور، مادة "جرس".
(٢٧) في م: "إِنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ".
(٢٨) في م: "أظن".
(٢٩) المشربة: هي الغرفة.
(٣٠) في م: "على رمل".
(٣١) في م: "معان".
(٣٢) المسند (١/٣٣، ٣٤) .
(٣٣) صحيح البخاري برقم (٥١٩١، ٢٤٦٨) وصحيح مسلم برقم (١٤٧٩) وسنن الترمذي برقم (٣٣١٨) وسنن النسائي (٤/١٣٧) .
(٣٤) في م: "المرأتان اللتان".
(٣٥) صحيح البخاري برقم (٤٩١٣) وصحيح مسلم برقم (١٤٧٩) .
(٣٦) صحيح مسلم برقم (١٤٧٩) .
(٣٧) زيادة من م، أ.
(٣٨) صحيح البخاري برقم (٤٩١٦) .
(٣٩) زيادة من م، أ.
(٤٠) في م: "فاستقريته".
(٤١) صحيح البخاري برقم (٤٤٨٣) ولم أر فيه التصريح بأنها أم سلمة والله أعلم.
(٤٢) المعجم الكبير (١٢/١١٧) ووجه ضعفه: أن فيه إسماعيل البجلي وهو ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس فهو منقطع.
(٤٣) لم أقع عليه في المطبوع من المعجم الكبير للطبراني.
(٤٤) في أ: "بن سعد".
(٤٥) في أ: "من اللهو".
(٤٦) تاريخ دمشق (ص٣٨٣) "تراجم النساء" ط. المجمع العلمي بدمشق.
(٤٧) تاريخ دمشق (ص ٣٨٤) "تراجم النساء" ط. المجمع العلمي بدمشق.
(٤٨) في م، أ، هـ: "يوسف" والمثبت من المعجم الكبير للطبراني.
(٤٩) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٨/٣٠٩) والعقيلي في الضعفاء (٤/٤٥٩) من طريق عبد النور بن عبد الله به، وعبد النور كذاب، قال العقيلي: "وليس بمحفوظ".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كباشات شلتوت للعزم الميكانيكى

http://www.imadislam.com/tafsir/002_03.htm