من سورة الروم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٣٣_٣٧ 
من سورة الروم 
﴿وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرࣱّ دَعَوۡا۟ رَبَّهُم مُّنِیبِینَ إِلَیۡهِ ثُمَّ إِذَاۤ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ یُشۡرِكُونَ (٣٣) لِیَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُوا۟ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٣٤) أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سُلۡطَـٰنࣰا فَهُوَ یَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا۟ بِهِۦ یُشۡرِكُونَ (٣٥) وَإِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةࣰ فَرِحُوا۟ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ إِذَا هُمۡ یَقۡنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ (٣٧)﴾ [الروم ٣٣-٣٧]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ النَّاسِ إِنَّهُمْ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ يَدْعُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ إِذَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ، إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ [أَيْ](١) فِي حَالَةِ الِاخْتِبَارِ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ ، هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَلَامُ التَّعْلِيلِ عِنْدَ آخَرِينَ، وَلَكِنَّهَا تَعْلِيلٌ لِتَقْيِيضِ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ.ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾(٢) ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاللَّهِ لَوْ تَوَعَّدَنِي حَارِسُ دَرْب لَخِفْتُ مِنْهُ، فَكَيْفَ وَالْمُتَوَعِّدُ هَاهُنَا [هُوَ](٣) الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ، فَيَكُونُ.ثُمَّ قَالَ مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا اخْتَلَقُوهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ. ﴿أَمْ أَنزلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ أَيْ: حُجَّةً ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ أَيْ: يَنْطِقُ ﴿بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، أَيْ: لَمْ يَكُنْ [لَهُمْ](٤) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ ، هَذَا إِنْكَارٌ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إِلَّا مَنْ عَصَمه اللَّهُ وَوَفَّقَهُ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ بَطر وَقَالَ: ﴿ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ [هُودٍ: ١٠] ، أَيْ: يَفْرَحُ فِي نَفْسِهِ وَيَفْخَرُ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ شِدَّةٌ قَنط وَأَيِسَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرٌ بِالْكُلِّيَّةِ؛ قَالَ اللَّهُ: ﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [هُودٍ: ١١] ، أَيْ: صَبَرُوا فِي الضَّرَّاءِ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي الرَّخَاءِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ، لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شكر فكان خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء(٥) صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"(٦) .
* * *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أَيْ: هُوَ الْمُتَصَرِّفُ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ بِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، فَيُوَسِّعُ عَلَى قَوْمٍ وَيُضَيِّقُ عَلَى آخَرِينَ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ .

(١) زيادة من أ.
(٢) في ت: "يعلمون".
(٣) زيادة من ت، ف، أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت: "الضراء".
(٦) صحيح مسلم برقم (٢٩٩٩) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كباشات شلتوت للعزم الميكانيكى

http://www.imadislam.com/tafsir/002_03.htm